يكتب الدكتورة سانام فاكيل أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستعد لزيارة دولة إلى واشنطن في 18 نوفمبر، وهي زيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو إعادة ضبط العلاقة السعودية الأمريكية في لحظة إقليمية مشحونة بحروب وتوترات تمتد من غزة إلى لبنان وإيران وقطر.

 

وتأتي الزيارة بينما يسعى ولي العهد إلى حماية مسار رؤية 2030 بعد عامين مضطربين خلّفتهما حرب غزة واتساع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الإقليم.

 

وتوضح فاكيل فب مقالها الذي نشرته شاتام هاوس أنّ مسار الزيارة يهدف إلى إعادة هندسة العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن عبر حزمة واسعة من التفاهمات تشمل الدفاع والنووي المدني والاتفاقات التجارية. لكن بعض الملفات ستكشف فجوات يصعب ردمها: إدارة غزة بعد الحرب، ومستقبل التطبيع مع إسرائيل، والنقاط الساخنة في المنطقة. ملفات حقوق الإنسان والمعدل المرتفع للإعدامات خارج دائرة النقاش

 

زعيم يرسّخ ثقته ويبحث عن مظلة دفاعية

 

السعودية تعيش لحظة قوة؛ الاقتصاد أكثر ثراءً، والدبلوماسية أكثر حضوراً من أي وقت مضى، فيما يظهر ولي العهد بصورة أكثر رسوخاً بعد سنوات من الضغط الدولي الذي رافق حرب اليمن وقضية خاشقجي. ويعيد محمد بن سلمان تقديم المملكة كضامن للاستقرار الإقليمي.

 

يعمل ولي العهد في واشنطن على تحويل الاعتماد الاستراتيجي المتبادل إلى إطار دفاعي وسياسي رسمي ينجو من تقلبات الانتخابات الأمريكية. ويتصدر الأجندة ترتيب دفاعي مُلزِم يحدد أنّ أي هجوم على الأراضي السعودية يشير إلى خط أحمر أمريكي واضح.

 

الخلاف القديم يطفو: إدارة بايدن السابقة ربطت الدفاع باتفاق تطبيع سعودي–إسرائيلي وعجزت عن إقناع الكونجرس. اليوم يسعى ولي العهد للحصول على أنظمة تسليح متقدمة مثل مقاتلات F-35، إضافة إلى دعم البرنامج النووي المدني تحت إشراف دولي يعزز خطط تنويع الطاقة.

 

لكن الكونغرس يشكّك؛ أعضاء فيه يخشون أن تمنح واشنطن التكنولوجيا النووية لدولة سلطوية أعلنت رغبتها في موازنة القدرات الإيرانية. طريقة تعامل الرئيس الأمريكي مع هذه المخاوف ستشكل نقطة اختبار محورية.

 

اقتصاد يتسابق مع الزمن ورؤية 2030 تبحث عن شركاء

 

الجانب الاقتصادي يبرز كعمود رئيسي في الزيارة. المملكة تريد تعميق الزخم الذي بدأ خلال زيارة ترامب للرياض عام 2017، وخصوصاً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.

 

تتوسع فجوة الميزانية السعودية بسبب انخفاض أسعار النفط والإنفاق المحلي الطموح، ما يرفع الحاجة إلى استثمارات أجنبية ضخمة تعزز التحول بعيداً عن الاعتماد النفطي.

 

في قلب هذا التحول تبرز رؤية 2030، التي تربط تحديث الاقتصاد بالأمن القومي. المملكة تضخ أكثر من 21 مليار دولار في مراكز البيانات، وأموالاً أكبر في المركبات الكهربائية والصناعات المتقدمة والفضاء والذكاء الاصطناعي.

 

ويرى ولي العهد أن جذب الشركات الأمريكية إلى هذه المشاريع يوفر شبكة أمان طويلة المدى للعلاقة الثنائية، ويمنح المملكة قدرة أوسع على صياغة التوازنات الإقليمية ضمن سياسة "الاستقلال الاستراتيجي" دون الانفصال عن واشنطن.

 

زيارة ترامب للرياض في مايو عكست تقارباً في الرؤية: اقتصاد فوق أيديولوجيا، واستثمار فوق صراع. ويرى ترامب أن تحديث الشراكة السعودية–الأمريكية يخدم أجندته في ولايته الثانية، ويدعم استراتيجيته الأوسع لتوسيع التطبيع الإقليمي ضمن هندسة "السلام عبر الاقتصاد".

 

ملف غزة.. العقدة التي توقف قطار التطبيع

 

أكثر القضايا تعقيداً في جدول الزيارة هو ملف غزة وعلاقته بالتطبيع. منذ اندلاع الحرب، تغيّرت الحسابات السعودية جذرياً. التطبيع لم يعد خطوة حتمية أو منخفضة التكلفة كما كان يُقدَّر قبل الحرب.
المملكة تنظر اليوم إلى مشهد إقليمي يتزايد فيه الغضب الشعبي، ويُعاد فيه تقييم شرعية أي اتفاقات مع إسرائيل دون إطار سياسي يضمن حقوق الفلسطينيين ويمنع استمرار العنف.

 

وهنا يبرز التباين الأكبر بين واشنطن والرياض: إدارة ترامب ترى في التطبيع مدخلاً لإعادة تشكيل المنطقة، بينما يراه ولي العهد مساراً لا يمكن الدفع به دون ضمانات قوية بشأن غزة ومستقبل الحكم فيها ودور السلطة الفلسطينية.

 

بهذا يتضح أنّ الزيارة تحمل طموحات كبيرة لكنها محاطة بتوازنات دقيقة؛ تحالف يريد أن يثبت نفسه، ومملكة تسرّع خطواتها نحو قوة إقليمية كاملة، ورئيس أمريكي يعيد رسم خرائط النفوذ عبر الصفقات.
المسار مستمر، والعقدة الكبرى – إسرائيل وغزة – تبقى حجر الاختبار لكل خطوة لاحقة.

 

https://www.chathamhouse.org/2025/11/crown-princes-meeting-trump-has-ambitious-agenda-he-will-not-normalize-relations-israel